ليس من الغريب أن تتشابه أخلاق و سلوكيات أفراد بعض العائلات , و لا غرو أن للوراثة دور كبير في ذلك , و لهذا نجد بعض العائلات تشتهر بالجود و الكرم و أخرى بميلها للعنف و سرعة الغضب , وهناك أيضا عائلات يجمع بين أفرادها خصلة سوء الأخلاق و رداءة الطبع فترى الناس تتحاشى الاختلاط بها و تتجنب جيرتها. و في مقالنا هذا سنتناول ثلاث قصص مختلفة لنساء ينتمين إلى هذه الطينة و العينة , فهن شقيقات جمعهن رابط الدم و تشابهت أخلاقهن الرديئة فأصبحن قاتلات محترفات وجدن لذتهن في سفك الدماء و استلال الأرواح البشرية لأجل غاياتهن المريضة والدنيئة.
الى اليسار صورة حقيقية للشقيقتين اما الى اليمين فصورة من فلم مقتبس عن جرائمهما
في صباح احد الأيام في ستينيات القرن المنصرم , استيقظت المكسيك على أخبار جريمة مروعة هزت الرأي العام و وجهت الأنظار مجددا إلى حرفة قديمة , وصفها البعض بأنها أقدم مهنة في تاريخ البشر , انطوت خلال تاريخها على أبشع أنواع الاستغلال و اتصفت غالبا بالقسوة وعدم الإنسانية , و اعني هنا مهنة الدعارة حيث تقدم النساء أجسادهن على مذبح الرغبة , اضطرارا و مكرهات في معظم الأحيان , مقابل المال , لا بل أحيانا كما في المجاعات و الحروب تضحي المرأة بعفتها من اجل كسرة خبز صغيرة لعائلاتها و أطفالها. وهناك دائما أشخاص من ضعاف النفوس يبحثون عن هذه الطرائد البشرية الفقيرة و المشردة من اجل الاحتيال عليهن و استغلالهن بأبشع صورة , لا بل إن بعض العاهرات أنفسهن يتحولن أحيانا , عندما يتقدمن في السن و يذوي جمالهن , إلى قوادات محترفات يقمن باستغلال الفتيات الشابات بأبشع صورة للحصول على المال , و الشقيقات الشريرات اللائي سنتناول قصتهن في هذا المقال هن من هذه الطينة القذرة.
دلفينا و ماريا غونزالز (Delfina and María de Jesús González ) شقيقتان عاشتا في مدينة كوانجيتو الواقعة على مسافة 200 ميل إلى الشمال من مكسيكوستي العاصمة , كانتا قوادتين تديران بيت دعارة و ناديا ليليا أطلقتا عليه اسم "ماخور الجحيم" , و هو اسم على مسمى حقا إذ حولته الشقيقتان إلى جحيم حقيقي. وقد شملت نشاطات الشقيقتان غونزالز , إضافة إلى الدعارة , المخدرات و كان لديهن أيضا ارتباطات مع رؤوس الجريمة المنظمة في المكسيك.
الشقيقتان بدئن عملهن في مجال تجارة الجنس منذ أربعينيات القرن المنصرم حين كانتا غانيتان شابتان تديران شققا صغيرة لاستضافة الباحثين عن المتعة الجنسية , و قد القي القبض عليهن عدة مرات خلال فترة عملهن الطويلة بسبب استغلالهن للأطفال و المراهقين في مجال عملهن , كما عرف عنهن قسوتهن و تجردهن من أي رأفة أو رحمة في تعاملهن مع الفتيات العاملات في ماخورهن الجهنمي , إذ طالما عمدن إلى توبيخ و ضرب الفتيات المسكينات وقمن أحيانا باحتجاز بعضهن قسرا وإجبارهن على العمل بدون مقابل.
منذ بداية عملهن في مجال الدعارة اتبعت الشقيقتان أسلوبا ذكيا مكنهن من الاستمرار في ممارسة جرائمهن السادية بحق الآخرين لفترة طويلة من الزمن. كان أول عمل تقومان به عند فتح شقة أو ماخور جديد هو محاول التعرف على الشخصيات النافذة و المهمة في المنطقة المحيطة بمكان عملهن الجديد , وهؤلاء الشخصيات كانوا في العادة من رجال الشرطة الفاسدين و كذلك من رؤساء عصابات المخدرات و الجريمة المنظمة , كانتا تبدأن بالتودد إلى تلك الشخصيات عن طريق تقديم خدماتهن الجنسية مجانا و في المقابل كان هؤلاء الأشخاص النافذين يقومون بتقديم الحماية لهن من الشرطة و من رجال العصابات الآخرين.
كان لدى الشقيقتان وسائلهن الدنيئة في الإيقاع بضحاياهن , كانتا تدفعان المال لبعض الرجال و الشبان و النساء مقابل الحصول على فتيات جديدات , وكان هؤلاء لديهم أساليبهم الخاصة في خداع الفتيات الفقيرات و المشردات , فتارة يستدرجوهن بحجة تشغيلهن في وظائف محترمة وبأجور مغرية و حينا يخدعونهن بذريعة الإحسان إليهن وبحجة مساعدتهن , كما أن الدنيا لم تخلوا من شبان و رجال أنذال كانوا يقومون ببيع حبيباتهم و عشيقاتهم و حتى بناتهم مقابل القليل من المال و المخدرات. و ما أن يقبض البائع المال و تستلم الشقيقتان الفتاة حتى تتبخر جميع الأحلام الوردية و الأكاذيب العسلية و تكتشف الفتاة المسكينة حجم الرعب و المستقبل القاتم الذي ينتظرها في "ماخور الجحيم" , كان يطلب منها أن تتعلم فنون مهنة الدعارة و أن تقوم بإرضاء الزبائن الذين كانوا يدفعون بسخاء من اجل الوجوه و الأجساد الجديدة , و لم يكن لدى الفتاة خيار سوى الموافقة , أما إذا رفضت فكانت تتعرض للضرب العنيف ثم تسجن في غرفة صغيرة و يمنع الطعام عنها و يتم اغتصابها مرارا من قبل زبانية الماخور حتى ترضخ أخيرا , حينها تبدأ الشقيقتان بتعليمها طرق إغواء الزبائن و إرضائهم و كيفية ارتداء الملابس المغرية و وضع الماكياج الملائم و طريقة التحدث إلى الرجال و جذبهم , و ما أن تتقن الفتاة فنون المهنة حتى تأخذ مكانها داخل النادي الليلي و تبدأ بإغواء و إغراء الزبائن و در الأموال إلى جيب الشقيقتان غونزالز.
في الغالب كانت الفتاة تعمل بدون مقابل , و كان يجري تذكيرها باستمرار بعدم التكلم مع الزبائن أو مع زميلاتها في النادي الليلي حول ظروف عملها و حياتها داخل الماخور , كانت الفتاة التي تخالف هذه التعليمات الصارمة تتعرض للضرب و التعنيف , كما كان يتم تحذير الفتيات من محاولة الهرب , كانت الشقيقتان تخبران الفتيات بأن سطوتهما و نفوذهما ستطالان من تحاول الهرب أينما ذهبت و سيتم أيضا إيذاء أفراد عائلتها.
كانت الشقيقتان تبتكران طرقا مخيفة في كيفية معاقبة الفتيات المخالفات للأوامر , إحدى هذه الطرق هي استغلال بقية فتيات الماخور في إنزال العقوبة حيث كان يتم جمعهن خارج الماخور ثم تأمرهن الشقيقتان بتعرية الفتاة المخالفة وضربها ضربا مبرحا بالعصي أو رجمها بالحجارة و ذلك لكي تكون عبرة للأخريات فلا تجرؤ إحداهن مستقبلا على مخالفة الأوامر لأنها تعلم جيدا طبيعة العقوبة القاسية التي تنتظرها.
كانت الفتاة تستمر بالعمل في ماخور الجحيم مادامت بصحة جيدة و تتمتع بمظهر جذاب , أما إذا مرضت إحداهن أو حملت سفاحا أو تقدمت في السن فذوى جمالها , فأن ذلك كان يعني غالبا نهاية حياتها , إذ كانت تجبر على أعمال السخرة الشاقة و تتعرض للضرب و التوبيخ بصورة مستمرة و تعطى القليل من الطعام أو يمنع عنها تماما , و غالبا ما كانت تفارق الحياة خلال مدة قصيرة , أما بسبب الجوع و المرض أو بسبب الضرب المبرح والرجم بالحجارة الذي تتعرض له من زميلاتها الأخريات , وعندما تفارق الفتاة الحياة , كانت الشقيقتان تأمران فتيات الماخور بحفر قبر لها و دفنها في الحديقة المحيطة بالمبنى , كانت الغاية من ذلك هو جعلهن شريكات في الجريمة فلا تجرؤ إحداهن على الهرب و إبلاغ الشرطة , و من اجل إدخال المزيد من الرعب و الهلع إلى قلوبهن كانت الشقيقتان تأمران الفتيات أحيانا بنبش القبر بعد ثلاثة أو أربعة أشهر على الدفن و استخراج جثة الفتاة التي تكون حينها متفسخة و متعفنة ثم إحراقها لتختفي معها آثار الجريمة تماما.
صورة للشقيقتان بعد القاء القبض عليهما
لسنوات طويلة ارتكبت الشقيقتان غونزالز أبشع الجرائم من دون أن تطالهن يد العدالة , لكن دوام الحال من المحال , و تشاء الأقدار أن تكون الصدفة وحدها هي التي قادت الشقيقتان إلى نهايتهما , ففي عام 1964 اقتحمت الشرطة شقت دعارة في مدينة كوانجيتو واكتشفت داخلها مجموعة من الفتيات القاصرات المحتجزات قسرا فألقت الشرطة القبض على صاحبة الشقة و هي قوادة معروفة اسمها جوزيفينا , و قد اعترفت أثناء التحقيق معها بأن الفتيات اللواتي عثرت الشرطة عليهن في شقتها هن مختطفات و أنها كانت تنوي بيعهن إلى الشقيقات غونزالز مثلما سبق لها أن باعت العشرات مثلهن طوال السنوات المنصرمة.
بعد الحصول على اعترافات جوزيفينا قامت الشرطة بمداهمة و تفتيش ماخور الجحيم فحرروا عشرات الفتيات المحتجزات قسرا و الرازحات تحت ظروف لا إنسانية , وأثناء التفتيش عثرت الشرطة على بقايا جثة بشرية بالقرب من مبنى الماخور مما جعلهم يشكون بوجود المزيد من الجثث , وبالفعل تمكن رجال الشرطة بعد قيامهم بالحفر في الحديقة المحيطة بمبنى الماخور من العثور على إحدى و تسعون جثة إضافة إلى بقايا بعض الأجنة البشرية , و الغريب ان الجثث لم تكن جميعها لنساء بل كانت هناك احد عشر جثة لرجال و قد تبين لاحقا أثناء التحقيق مع الشقيقتان بأنهما كانتا تقومان بقتل و سلب بعض الزبائن من الرجال ممن كانوا يحملون معهم مبالغا كبيرة من المال أثناء تواجدهم في الماخور.
مع استمرار التحقيقات بدأت تتكشف بالتدريج الجرائم المريعة التي اقترفتها الشقيقتان وأخذت الصحافة تتناولها بإسهاب مما سبب صدمة كبيرة للرأي العام المكسيكي , و سرعان ما تم تقديم الشقيقتان للمحاكمة بتهمة الاختطاف و القتل العمد في ثمان و عشرين فقرة قتل عمد , و هو عدد الجثث التي استطاع محققو الشرطة التعرف على أصحابها من بين العدد الكلي للجثث , و لأن عقوبة الإعدام ملغاة من القانون المكسيكي , لذلك حصلت الشقيقتان على الحد الأقصى من العقوبة المسموح بها و هي السجن لأربعين عاما.
دلفيا غونزالز ماتت خلف القضبان في زنزانتها عام 1968 عن عمر يناهز السادسة و الخمسين , أما شقيقتها ماريا فقد أطلق سراحها بعد أن أكملت جزء كبيرا من عقوبتها و توارت عن الأنظار منذ ذلك الحين.