أرسل
"جون مكارثي" مساعده "توماس بوير" ليرى إن كان بإمكانه تحصيل الإيجار
المتأخر من "ماري" في صباح ذلك اليوم.. عندما دق "توماس" الباب لم يحصل
على أي رد.. لذلك فقد نظر من نافذة جانبية مكسورة ليرى إن كان أي أحد في
المنزل..
لم يكن "توماس" متأكداً من تفاصيل ما رآه.. لكنه كان قد رأى ما يكفي ليركض
كالمجنون والهلع يسيطر على كل خلجاته ليحضر أحد رجال الشرطة..
لم يكسر رجال الشرطة الباب؛ لأنه كان مفتوحاً.. قال الشرطي الأكبر سنا
للآخر ألا ينظر إلى الداخل، لكن الشرطي صغير السن كان لديه فضول قوي
لمعرفة ما الذي يوجد بالداخل.. (بمجرد أن تعودت عيوني على الضوء الخافت
رأيت المشهد الرهيب الذي لن أنساه بقية حياتي على الإطلاق)..
خلال لحظات كان الطبيب "جورج فيليب" ورجال الشرطة في الداخل.. كانت الغرفة
صغيرة إلى حد كبير ولا توجد سوى قطع أثاث قليلة متناثرة في المكان..
"ماري" كانت ممددة على السرير.. رقبتها شبه ممزقة بأداة حادة والدماء تغرق
السرير والأرض حولها.. أما التشويه الفظيع الذي أصاب باقي الجسد فقد كان
من الواضح أنه تم بعد أن ماتت "ماري"..
الدكتور "توماس بوند"، جرّاح شرطة مخضرم آخر، كان قد أُحضِر إلى الحالة بشكل محدد؛ لتقرير مدى معرفة القاتل الطبية..
اليوم لم يعد متوافرا التقرير الذي كتبه الدكتور "جورج" عن الحالة، لكن تقرير الدكتور "بوند" نجا من العبث..
(الجسم كان يستلقي عاريا في منتصف السرير، كل سطح البطن والأفخاذ تم إزالته، والتجويف البطني مفرغ من الأحشاء وتم قطع الثديين..
استخدم القاتل السكين لإحداث عدد كبير من الجروح بالوجه والجسم.. الأحشاء
وجدت في أماكن مختلفة.. الرحم والكلية وثدي واحد وجدت تحت الرأس.. الثدي
الآخر كاملا عند القدم.. الكبد بين القدمين.. الأمعاء على جانب الجثة
الأيمن والطحال على الجانب الأيسر.. الجلد والعضلات التي أزيلت من البطن
والأفخاذ كانت على المنضدة المجاورة)..
جثة "ماري كيلي" أدهشت
شراسة هذه الجريمة الشرطة.. لأول مرة يرون هذا التشويه الفظيع –حتى الجثث
السابقة لم يكن بها مثل هذا التشويه– وكان كل من يدخل الغرفة يتقيأ على
الفور من بشاعة المنظر..
استمرّ الدكتور "بوند" في وصف الدمار الفظيع الذي أصاب "ماري".. أو ما تبقى منها..
(حنجرتها كانت قد قطعت بقوة شديدة لدرجة أن الأنسجة كانت متهتكة حتى
العمود الفقري.. وجهها جرح بكل الاتجاهات، الأنف والخدود والحواجب..
الأذنان قطعتا بشكل جزئي.. الشفاه قطعت بعدة شقوق تمتد إلى أسفل الذقن..
وكانت هناك جروح كثيرة تمتد بلا انتظام عبر جميع أنحاء الوجه..
أنسجة البطن كانت مقطوعة من تحت عظمة القص حتى الحوض وأزيلت في ثلاث قطع
كبيرة.. كان العظم ظاهرا في الفخذين بعد أن تمت إزالة كل الطبقات من فوقه
بصورة جراحية مذهلة تدل على خبرة كبيرة في هذا المجال)..
الدكتور "بوند" استمر في تقريره لعدة فقرات تعدد الجروح وتعرية الجلد..
وعندما حاولوا إعادة بناء جسدها الممزق، أدركوا بأن القلب قد قُطِع
وأُخِذ..
لم يكن هناك من شك في أن القاتل هو السفاح الذي عُرِف في الشوارع باسم
"جاك السفاح".. خاصة مع التشابه الكبير في الجرائم من حيث الطريقة وأسلوب
التشويه..
حدد الدكتور "بوند" وقت الجريمة بين الواحدة والثانية صباحا.. على أية
حال، كان هناك متسع من الوقت هذه المرة للقاتل لكي يظهر كل ملكاته في مجال
التشريح على "ماري"..
لكن الغريب في الأمر هو إجابة د."بوند" على سؤال لاحق من الصحافة حول
مهارة القاتل، حيث قال: (التشويه تم من قبل شخص ليست لديه معلومات طبية
كافية ولا معرفة تشريحية.. في رأيي هو لا يمتلك المعرفة التقنية التي
يملكها حتى الجزار أو أي شخص متعود على الحيوانات الميتة المقطعة..)
كان هذا يتنافى مع ما أقره د. "بوند" في التحقيق، وقد يكون السبب في ذلك
هو عدم تخيله لأن يقوم طبيب بمثل هذا العمل الوحشي الذي لم يره في حياته
من قبل..
* * *
الرعب
خلق قتل "ماري كيلي" رعباً في
شوارع "ويتشابل"، وانتشرت ثانية دوريات الشرطة والأشخاص الذين يحاولون
حماية الشوارع من هذا الشخص البغيض الذي لا يعرفه أحد.. واندلعت الحوادث
المتقطعة لعنف الغوغاء، خاصة مع أول بادرة شك عند خروج كلمة أو إشارة
قالها أحدهم، حتى لو كان تحت تأثير الخمر..
نشاط الشرطة كان محموما.. تم تعقب كل شخص، تم استجواب كل مشتبه به.. زادت
الدوريات وأفراد الحماية والتحريين في الشوارع.. وفي النهاية كانت المحصلة
صفرا.. انتقدت الشرطة بشدة حتى إن الملكة "فيكتوريا" نفسها كانت غاضبة
للغاية، وقالت لرئيس الوزراء: (إن هذه الجرائم الجديدة والغريبة على
مجتمعنا تظهر مدى الحاجة إلى تطوير مهارات رجال الشرطة والمحققين، إنهم
ليسوا على أدنى درجة من الكفاءة.. يجب أن يقدم القاتل إلى المحاكمة بأية
طريقة)..
جريدة "التايمز" كانت أكثر فهماً للصعوبات التي تواجهها الشرطة حيث قالت
في إحدى افتتاحياتها: (جرائم القتل مستمرة بمكر شديد ومنفذة بكمال ودقة
يحيران المحققين.. فالقاتل لم يترك أي أثر على الإطلاق يمكن الاستدلال به
عليه، كما لا يوجد أي دافع يمكن أن يربط شخصا ما بالجرائم.. إنها الجريمة
الكاملة.. جريمة القرن.. كل ما يمكن أن نأمله مع رجال الشرطة هو وقوع
القاتل في خطأ ما يمكّنهم من القبض عليه قبل أن يقوم بجريمته الشنعاء
التالية)..
وكأن كل تلك الصعاب لم تكن كافية على رجال الشرطة، فقد اختلف الطبيب
الشرعي المكلف من قبل الشرطة في موعد الوفاة مع د. "بوند" بحوالي أربع
ساعات كاملة، مما جعل الحصول على شهادة موثوق فيها أمرا مستحيلا تماما..
* * *
ماذا نعرف؟!!..
قبل
أن ندخل في التفاصيل الخاصة بالمشتبه بهم في تلك الجرائم البشعة، من
الأفضل أن نضع تلخيصاً صغيراً لما نعرفه عن "جاك السفاح".. خاصة أن ذلك
سيساعدنا على التعرف على الأسباب التي وضعت الأشخاص الذين سنذكرهم في
قائمة المشتبه بهم..
لكن من المهم أيضا أثناء استعراضنا لهذه المعلومات أن نضع قبلها دوما كلمة
"من المحتمل".. فمع الظروف التي كانت تحيط بالحادث مثل الظلام وسرعة
الأحداث والتوتر، فمن الصعب التيقن من أن هذه المواصفات صحيحة 100%.. حتى
لو كان من أدلوا بها فوق مستوى الشبهات..
ما نعرفه حتى الآن هو أن القاتل من المحتمل أن يكون:
- ذكرا أبيض البشرة..
- متوسط الطول..
- بين 20 و40 عاما من العمر..
- لا يرتدي ملابس العمال أو الفقراء المعروفة في ذلك الوقت..
- له مسكن جماعي في النهاية الشرقية..
- له خبرة جراحية وطبية كبيرة، رغم وجود رأي أو رأيين معارضين..
- ربما يكون غير بريطاني الجنسية..
- يستخدم يده اليمنى.. رغم أن الكثير من التحليلات الطبية الشرعية تؤكد أنه أعسر..
- يعمل بدوام منتظم، ذلك أن كل الجرائم التي قام بها كانت في أيام الإجازات فقط..
- يعمل وحيدا، خاصة أنه كان يجوب الشوارع في كل الأوقات دون أن يقع في الشبهات..
إن وضع الأشخاص في دائرة الشبهات كانت عملية مربحة للعديد، من خلال
الأعوام المائة الماضية.. حيث تفنن كل شخص في وضع كتاب "هام" عن "جاك
السفاح"، يضع فيه أحد الأشخاص في دائرة الشبهات، ويؤكد بالبراهين المنطقية
-من وجهة نظره- أنه هو القاتل السفاح الذي حيّر العالم كله..
بالطبع فإن كل كاتب كان يسوق الأدلة التي تؤكد وجهة نظرة ويغفل الأدلة
التي تتعارض معها، ومع كل هذا الكم من النظريات التي ظهرت عن "جاك السفاح"
فقد أصبح الجميع في شك أمام أي نظرية جديدة للتعرف على القاتل..
مع كل هؤلاء الأشخاص الذين تم وضعهم في دائرة المشتبه بهم، فإن عددا قليلا فقط منهم هم من جذبوا الانتباه إليهم بالفعل..
السير "ميلفيل ماكناجتين" ""Melville Macnaghten استلم إدارة الشرطة خلفا
للسير "تشارلز وارين" في العام 1889، أي بعد أن انتهت جرائم "جاك السفاح"
بشكل رسمي.. لذلك فقد كانت له كل الصلاحيات للدخول إلى الملفات السرية وكل
الأدلة.. وقد عكف على دراسة الملف الضخم الذي أمامه لوقت طويل، قبل أن
يكتب تقريره الهام للغاية الذي يشرح فيه –من وجهة نظره– السبب في أن "جاك"
توقف عن استكمال جرائمه بعد حادثة "ماري كيلي" الوحشية.. كما وضع في هذا
التقرير المفاتيح الأساسية التي جعلته يضع ثلاثة أشخاص تحت المجهر كمشتبه
بهم بقوة..
كان ما جاء في هذا التقرير كالتالي:
(المرجح أن القاتل بعد أن رأى ما فعله بـ"ماري" تلاشت لديه كل الرغبات
الشريرة التي كانت تدفعه إلى القتل بهذه الوحشية.. حيث استنفد كل رغباته
في هذه الجريمة الأخيرة التي قام فيها بأداء كل الأشياء التي كان يريدها
في الجرائم السابقة، خاصة أنه هذه المرة كان يملك الوقت الكافي لذلك..
المرجح أن هذا القاتل قد انتحر بعد ذلك بعد أن شعر أن كل أهدافه في الحياة
قد انتهت، أو ربما يكون قد جنَّ بحيث وضعه أهله في مصحة نفسية لعلاجه..
وفي الحالتين فإن العثور عليه أمر شديد الصعوبة..
ورغم أنه لا أحد شاهد القاتل بشكل مباشر وواضح بحيث يمكننا التيقن من شكله
أو هويته.. ورغم كل الإشاعات والاتهامات التي ظهرت في حق عدد كبير من
الأشخاص، إلا أنني يمكنني وضع ثلاثة أشخاص بعينهم في دائرة الشبهات –وليس
الاتهام– حيث إنهم أرجح من غيرهم في ارتكاب هذه الجرائم..
1– السيد "إم جي درويت" "M. J. Druitt".. وهو طبيب معروف من عائلة
مشهورة.. وقد وجد هذا الطبيب ميتا في نهر "التايمز" في 31 ديسمبر 1888، أي
بعد سبعة أسابيع من حادثة "ماري كيلي".. وهي الحادثة التي تم خلالها
التبليغ عن اختفاء الطبيب عن أسرته.. من المعروف عن هذا الطبيب أنه مهووس
جنسيا، كما أن لدى عائلته بعض الشكوك في أن هو القاتل..
2 – السيد "كوزمينسكي" "Kosminski".. وهو يهودي بولندي الأصل يعيش في
"ويتشابل".. ومن المعروف عنه أنه أصيب بالجنون بعد وحدته وعزلته الطويلة
في أحد المنازل الجماعية.. كانت لديه كراهية كبيرة للنساء، وخاصة العاهرات
في حي "ويتشابل"، كما أن لديه قابلية للقيام بجرائم القتل.. وقد تم وضعه
في إحدى المصحات العقلية في بدايات عام 1889.. هناك الكثير من الظروف
والملابسات التي تجعل من هذا الرجل أحد أقوى المشتبه بهم في هذه الجرائم..
3 – السيد "مايكل أوستروج" "Michael Ostrog".. وهو طبيب روسي كان قد أدين
في إحدى الجرائم وتم احتجازه في مصحة عقلية بسبب هوسه بالقتل.. كانت حجج
الغياب بهذا الرجل من أسوأ ما يكون، وكان من المستحيل التأكد من صحة أي
منها)..
هذا التقرير ركز على الأشخاص الثلاثة على اعتبار القاتل واحدا منهم
بالتأكيد.. لكن هناك العديد من النظريات الأخرى التي تناقش هذا الموضوع،
ووضعت عددا من السيناريوهات الأخرى الهامة التي من المهم مناقشتها على
اعتبار أنها تقدم لنا مجموعة أخرى من المشتبه بهم..
فعلى سبيل المثال فإن أهم محقق في هذه القضية -المحقق "فريدريك جورج"
"Frederick George"– يختلف في الرأي مع "السير ميلفيل".. ويرى في حديث له
في العام 1903 أن "سكوتلانديارد" لم تتقدم في تفكيرها الخاص بهذه الجرائم
خلال 15 عاما بأية طريقة..
أما المشتبه به الأساسي الذي يعتقد "فريدريك" أنه هو القاتل المنشود فهو
"جورج تشابمان" George Chapman"".. الذي تم اعدامه في 1903 لقتله زوجته
بالسم..
الكثير والكثير من الأقاويل والاتهامات والتحليلات المنطقية وغير المنطقية.. لكن هذا ليس كل شيء.. فما هو قادم أكثر جنونا بالتأكيد..
* * *
مؤامرة ملكية
إن
القول بأن كل هذه الجرائم ما هي إلا مؤامرة ملكية من العائلة الحاكمة في
"إنجلترا" في ذلك الوقت لم يكن مجرد حديث للهو!!.. ولم يكن كذلك فقط أساس
للفيلم الأجنبي الشهير "From Hell" الذي قام ببطولته النجم "جوني ديب"..
بل إن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، خاصة إذا علمنا كمّ الكتب التي كتبت في هذا
المجال لتأكيد هذه النظرية، وكذلك كمّ الوثائق والنظريات والشهادات التي
تم تدعيم هذه الكتب بها..
وأبعاد هذه النظرية هي كالتالي..
الأمير "ألبرت فيكتور" "Albert Victor" المعروف لدى الشعب باسم "إيدي"
"Eddy" هو حفيد ملكة "إنجلترا" في ذاك الوقت، الملكة "فيكتوريا"
"Victoria"، ووالده هو الملك التالي لها "إدوارد السابع" Edward VII ..
ولو كان "ألبرت" قد عاش لكان أحد ملوك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها
الشمس في يوم من الأيام..
كان الأمير "ألبرت" يتردد على منطقة "ويتشابل" كثيرا، والسبب في ذلك أنه
كان على علاقة مع فتاة هناك تدعى "آني كروك" "Annie Crook".. وقد أجّر لها
شقة في "ويتشابل" وأخذ يتردد عليها فيها..
في بعض الروايات حملت "آني" من "ألبرت" وأنه تزوجها سرا في الكنيسة
"الرومانية الكاثوليكية"، بينما يقول البعض الآخر أن "آني" قد حملت
بالفعل، لكن الأمير لم يتزوجها أبدا.. وأنها قد ولدت طفلة ورحلت بها
بعيدا..
لكن ما تم تناقله خفية بين الناس فيما بعد يفوق كل هذه الأمور..
إن العلاقة الآثمة مع فتاة من العامة كان أحد الأمور المستحيلة لدى
العائلة المالكة، خاصة إذا كان الأمر متعلقا بأحد الملوك القادمين
للإمبراطورية.. لذلك فعندما علمت الجدة / الملكة بهذه الفضيحة أمرت بأن
يتم حلها على الفور، وعهدت بذلك إلى رئيس الوزراء، الذي عهد بها بدوره إلى
طبيب الملكة الخاص السير "ويليم جال" "William Gull"..
د. "ويليام" أخذ "آني" إلى مستشفى بعيد عن الأعين، حيث تلاعب بذاكرتها
وإدراكها للعالم من حولها من خلال مجموعة من التجارب الوحشية والتعذيب
المستمر، بحيث أصبحت غير قادرة على التعرف على الحقيقة من الخيال لبقية
حياتها..
"ماري كيلي" كانت تعتني بالطفلة الملكية التي وضعتها "آني" مع صديقاتها
"بولي" "وليز آني" تشابمان –هل تذكرك هذه الأسماء بشيء ما؟!– وكلهن كن
يعرفن حقيقة الأب الملكي، وبالطبع كان من غير المعقول أن يبقين أفواههن
مغلقة على هذا السر الرهيب الذي يهدد مستقبل الملكية والعرش في بريطانيا..
مرة أخرى ظهر الطبيب الدموي "جال" على سطح الأحداث عندما تم استدعاؤه إلى
القصر الملكي، والتنبيه عليه بأن يتخلص من هذه المشكلة.. لكن هذه المرة
إلى الأبد..
كانت فكرة شيطانية من د."جال".. كل ما عليه هو إيجاد شخصية السفاح الذي
يهوى قتل العاهرات والتمثيل بجثثهن، ثم يتخلص من الفتيات الثرثارات بكل
سهولة فيما بعد..
يستعين د. "جال" بأحد رجاله المخلصين لجذب الفتيات إلى المكان الذي يريدهن
فيه عن طريق إغرائهن بالمال، ثم يخرج إليهن بسرعة ويقتلهن.. أما التمثيل
بالجثث فكان إحدى الهوايات التي استهوت د."جال"، وجعلته غير قادر على
مقاومة الإغراء في فعل ذلك أمام الجثث الجاهزة أمامه..
بالطبع ترك الأفضل للنهاية.. هكذا في آخر جريمة تخلص د. "جال" من "ماري"
إلى الأبد.. ومارس هوايته الأثيرة معها دون أن يقاطعه أحد هذه المرة، لذلك
خرجت الجثة بالصورة البشعة التي كانت عليها في النهاية..
لكن لا تنتهي عند هذا الحد.. فلا بد من الربط بين كل شيء.. حيث انتشرت
أيضا الحكايات بأن د. "جال" اشترك في منظمة ماسونية سرية تضم كبار رجال
الحكم والأشخاص البارزين في الدولة.. وكان من بين هؤلاء السير "روبرت
أندرسون" رئيس الشرطة.. والذي كان يعلم كل شيء عن مهمة د. "جال" وساعده
على التخفي.. بل زاد على ذلك بأنه أخفى أحد الأدلة الهامة في القضية، وهي
الكتابة على الجدار بأن اليهود هم من يجب أن يحاسبوا على ما يحدث، وذلك
حتى لا يتعرف أحد عن طريق الصدفة على الخط المكتوبة به الكلمات ويربط بينه
وبين د."جال"..
إن الكل يحب نظرية المؤامرة، وبالتأكيد ستظل هذه القصة مصدر إلهام للآلاف
للتعرف على هوية "السفاح".. حتى مع عدم وجود أي دليل على صحة الأحداث التي
فيها..
بالفعل كانت هناك امرأة تسمى "آني كروك" في شارع "كليفلاند"، وكانت لها
طفلة تسمى "أليس مارجريت"، لكن لا يوجد أي شيء يربطها بالأمير "ألبرت"..
كما أنه لا يوجد أي رابط بينها وبين أي من الفتيات خاصة "ماري".. بل إنه
لا يوجد أي دليل على أن أيا من الفتيات كن يعرفن بعضهن البعض أو أنهن
كُنَّ يشكلن مجموعة من الصديقات، وإلا لكان هذا الأمر قد اكتشف أثناء
التحقيقات..
هناك الكثير من الأمور الأخرى التي كانت تدحض تلك المؤامرة المزعومة.. فقد
كان من المعروف أن د."جال" قد أصيب بجلطة دماغية قبل تلك الأحداث بفترة..
ورغم أنه قد تعافى من آثارها إلى حد كبير، إلا أنها لم تكن تسمح له
بالقيام بكل تلك الأمور، خاصة أنه كان يبلغ من العمر في تلك الفترة 70
عاما..
كما أنه لم يثبت انتماء د."جيل" أو "سير روبرت أندرسون" إلى أية جماعات
ماسونية أو غيرها حتى يحاول "سير روبرت" التغطية على أفعال زميله في
المنظمة..
أضف إلى ذلك بعض الشائعات التي تداولتها الألسن الخفية عن الميول الجنسية
للأمير "روبرت"، حيث كان من المعروف لدى العديدين أنه لا يميل للنساء،
وأنه كان يعاني من مشكلة كبيرة في هذا المجال..
أما الأمير "ألبرت" نفسه فقد نصبته الملكة دوق كلارنس في عام 1892، وهو
ليس بالمنصب السهل الذي يمكن تقديمه إلى شخص مختل عقلياً، ولو إلى درجة
بسيطة..
كل هذه القرائن تبعد الشكوك كثيراً عن الطبيب "جال"، لكن ما إن ظهرت هذه
الأمور حتى ظهر فريق آخر بدأ في تفسير الأحداث بشكل مختلف.. لكنه قريب في
نفس الوقت..
كانت النظرية الجديدة تستبعد أي دور للطبيب "جال"، وتلقي بكل هذه الجرائم
على الأمير "ألبرت" نفسه ومعلمه الخاص في "كامبريدج" الشاعر "جيمس
كينيث".. خاصة أن "جيمس" قد أصيب في حادث جعل العديد من الأمور الوحشية
تظهر في شعره وتصرفاته..
لكن مرة أخرى لا توجد أي دلائل على هذه الاتهامات، خاصة مع وجود حجج غياب
قوية ومتينة للغاية تبعد "الأمير والشاعر" عن أماكن الجرائم بمئات
الأميال..
هل يعني هذا أن القصر الملكي ليست له أية علاقة بالأمر؟!.. حتى اليوم ما
زال هناك مئات الكتب والتحليلات التي تؤمن بأن القصر الملكي كان هو العقل
المدبر وراء كل هذه الجرائم لسبب أو لآخر.. ولا أعتقد أننا سنتمكن من
التعرف على مدى تورط القصر في هذه الحوادث على الإطلاق..