هل صادف عزيزي القارئ أن مررت يوما بشارع أو
دخلت مبنى قديم لم تره في حياتك سابقا , ثم يخامرك فجأة إحساس غامض بأن
المكان يبدو مألوفا بالنسبة لك , و كلما دققت النظر في أركانه و زواياه
كلما اشتد شعورك بالألفة و الانسجام مع تفاصيله بل ربما تراقصت أمامك
أشباح و خيالات لذكريات باهتة و مشوشة تمر في عقلك كومضات ضوئية سريعة
تحاول عبثا أن تتشبث بها لكنها تبتعد و تتلاشى قبل أن تستطيع اللحاق بها ,
انه إحساس يخامر اغلب الناس لمرة واحدة في حياتهم على الأقل و غالبا لا
يجدون له تفسيرا فيعزوه إلى الخيال و الهلوسة البصرية و هو رأي يوافقهم
عليه العلماء أيضا , لكن هل هناك تفسير أخر لهذه الحالة ؟.
ادعت انها ماتت قبل واحد و عشرين عاما من ولادتها
!! |
الى اليسار صورة جيني كوكيل و هي تحمل بيدها الصورة اليتيمة و الوحيدة لماري سوتون و التي ادعت بأن روحها حلت في جسدها , و الى اليمين صورة ماري سوتون بعد التكبير |
هناك الكثير من القصص لأشخاص ادعوا بأنهم عاشوا
حياة سابقة , أي أنهم ماتوا ثم ولدوا من جديد في جسد إنسان أخر , و هذه
القصص و الحوادث النادرة عرفتها جميع الأمم و الشعوب منذ أقدم العصور و قد
نسبها القدماء إلى ما يعرف بعقيدة التناسخ , أي إن الأرواح تنتقل بعد
الموت إلى جسد أخر فتولد من جديد و تبدأ حياة جديدة , و قد آمنت بعض
الديانات , مثل البوذية و الهندوسية , بالتناسخ بشدة حتى أصبح جزءا لا
يتجزأ من معتقداتها الدينية , أما الأديان السماوية , أي اليهودية و
المسيحية و الإسلام , فرفضت هذه الفكرة تماما و آمنت بأن الإنسان لا يعيش
سوى حياة واحدة يحاسب على أفعاله و أقواله خلالها , و لكن حتى هذه الأديان
لم تخلو من فرق و مذاهب فرعية آمنت بالتناسخ بشكل أو بأخر , في حين ذهبت
بعض المدارس الدينية إلى قبول قصص التناسخ التي يتداولها الناس لكنهم
نسبوها إلى تقمص الأرواح و مس الجان , أما العلماء فيرفضون التناسخ جملة و
تفصيلا لأنهم أصلا لا يؤمنون بوجود الروح , بل يزعمون أن النفس هي العقل
بما يختزنه من مشاعر و انفعالات و ذكريات و بموته ينتهي الجسد و يتحول إلى
شيء جامد لا حياة فيه , أي مثل جهاز الكمبيوتر الذي تقطع عنه التيار
الكهربائي فيتحول إلى مجرد قطعة معدنية جامدة.
قصة الانكليزية جيني كوكيل (Jenny Cockell ) , هي إحدى قصص "الحياة
السابقة" المشهورة و التي كانت موضوعا لكتابين و عرضت في التلفزيون و نشرت
حولها العديد من التحقيقات الصحفية , بعضها في جرائد و إذاعات عالمية
مرموقة و محترمة مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC ) , طبعا هناك العديد من
القصص الأخرى التي تتناولها الجرائد و المجلات بين الحين و الأخر عن موضوع
الحياة السابقة , و بعضها في منطقتنا العربية , لكننا اخترنا هذه القصة
لأنها , بالإضافة إلى غرابتها , اتسمت ببعد أنساني مؤثر إذ أدت الى لم شمل
مجموعة من الإخوة و الأخوات بعد أن فرقتهم عاديات الزمان لأكثر من ستين
عاما , و كذلك لأن هذه القصة موثقة بالأسماء و الصور و لأنها جلبت أنظار
المؤيدين و المشككين في آن واحد.
ولدت
جيني كوكيل عام 1953 في انكلترا , كانت طفلة حالمة تتخيل الكثير من الأمور
التي ما كان لطفلة في مثل سنها حتى ان تفكر فيها , لكنها كانت تظن ان
جميع الأطفال الآخرين لهم أحلام و خيالات مثل تلك التي تراودها بين الحين و
الأخر , احد الأحلام الذي رافق طفولتها و طالما قض مضجعها هو حلم مخيف عن
موتها , كانت تتخيل نفسها في غرفة بيضاء شديدة الإضاءة فيها شباك وحيد
قديم الطراز , و ينتابها إحساس ثقيل بالغربة كما لو أنها بعيدة عن بيتها ,
و كانت تشعر بألم شديد في جسدها و صعوبة في التنفس , لكن ذلك الألم كان لا
يقارن مع الشعور المرعب بدنو اجلها و حسرتها و خوفها على الأطفال التي
ستتركهم خلفها , كان حلما غريبا حقا , خاصة بالنسبة إلى طفلة في عمر جيني.
هذه الخيالات و الرؤى كانت تزداد قوة و وضوح عاما بعد عام فتتحول في رأس
جيني الصغير إلى صور لأماكن و وجوه لم ترها في حياتها , أكثر تلك الصور
وضوحا كانت لكوخ صغير تحيط به الأشجار و تنتصب بالقرب منه مجموعة من
الأكواخ البسيطة , كانت بلدة صغيرة و كان بإمكان جيني رسم خريطة لها على
الورق , لكنها لم تكن تعلم أين تقع هذه البلدة في هذا العالم الواسع , لكن
في المدرسة , كانت جيني تفتح أطلسها الجغرافي و تحدق بغرابة إلى رسم
لخارطة ايرلندا ثم تمرر إصبعها فوق الرسم ببطء لتتوقف فجأة عند بقعة معينة
كتب تحتها اسم مالهد , كانت بلدة صغيرة إلى الشمال من دبلن , و مع أن
جيني لم تزر ايرلندا في حياتها لكن شعورا قويا لا يقاوم كان يشدها دوما
إلى ذلك المكان البعيد.
رغم الخيالات و
الأحلام , المزعجة أحيانا , التي كانت تتراءى لها من حين لأخر إلا إن جيني
استمرت في حياتها حتى غدت شابة و تزوجت و أصبحت أما لطفلين , إلا أنها لم
تتوقف يوما عن التفكير في ذلك الكوخ الصغير القابع في تلك البلدة الصغيرة
من ايرلندا , بل إن إنجابها لأطفالها و شعورها بالأمومة جعل تلك الخيالات
القديمة أكثر قوة و وضوحا , خاصة تلك المتعلقة بالأطفال الصغار الذين
كانت تراهم في أحلامها و التي بدا واضحا بأنها كانت والدتهم في حياة أخرى ,
لقد شعرت بحنين و قلق كبير تجاه أولئك الأطفال إلى درجة أنها قررت أخيرا
عام 1988 القيام بزيارة إلى بلدة مالهد في ايرلندا , و ما أن وطئت أقدامها
ارض تلك البلدة حتى أخذت أحلامها و خيالاتها القديمة تمتزج مع الواقع
لتصبح حقيقة ماثلة للعيان , صحيح أن هناك بعض التغييرات طرأت على البلدة و
لكنها في تفاصيلها العامة كانت مطابقة للصورة التي رسمتها جيني في عقلها ,
و كانت المفاجأة الكبرى عندما وجدت جيني الكوخ الصغير الذي طالما ظهر في
أحلامها , كان مهجورا و خربا لكنها تمكنت من التعرف عليه بسهولة , ثم بدئت
الصور و الذكريات تنهال عليها , صور ارتسمت في ذهنها لعائلة تتكون من زوج
و زوجة و ثمانية أطفال , لكنها لم تستطع تذكر اسم العائلة و لا اسم تلك
المرأة التي كانت تجسدها.
قررت جيني ان
تكتب رسالة إلى مالك الأرض التي ينتصب عليها الكوخ تطلب فيها مساعدته في
التعرف على اسم العائلة التي كانت تسكنه طبقا للأوصاف و المعلومات التي
كانت تراها في أحلامها , و يبدو أن الحظ قد ابتسم لها إذ لم تمض مدة طويلة
حتى جاءتها برقية جوابية , لقد كتب إليها مالك الأرض ليخبرها بأن الأوصاف
التي ذكرتها في رسالتها لا تنطبق إلا على عائلة جون و ماري سوتون و
أطفالهم الثمانية الذين كانوا يقطنون الكوخ في الثلاثينيات , و في الحال
أيقنت جيني من أن عائلة سوتون هي العائلة التي طالما رأتها في أحلامها و
أن روح ماري سوتون هي التي حلت في جسدها , ثم قررت البدء بالبحث عن أطفال
ماري سوتون فكتبت عدة رسائل إلى دور الأيتام و الكنائس و المستشفيات في
دبلن و ضواحيها تستعلم فيها عن مصيرهم , و سرعان ما جاءها رد من احد
القساوسة الذي وجد في سجلات كنيسته معلومات حول تعميد عدد من أطفال
العائلة : جون (1923) فيلومنا (1925) كريستوفر (1926) فرانسيس (1928)
بريجيت (1929) إليزابيث (1932) , كانت جيني على يقين من أن هناك طفلين
آخرين لم ترد أسمائهم في سجلات الكنيسة , لكن رغم ذلك كانت المعلومات التي
حصلت عليها بمثابة الخيط الذي أوصلها في النهاية الى معرفة ماذا حل
بأطفال ماري سوتون.
قامت جيني بنشر إعلان
صغير في إحدى جرائد دبلن وضعت فيه أسماء الأطفال لغرض الحصول على معلومات
عنهم , و كم كانت المفاجأة كبيرة عندما اتصل بها جون الابن الثاني لماري
سوتون , لم تكن المكالمة مشجعة إذ إن جون لم يقتنع بمزاعم جيني , كان صعبا
عليه أن يصدق , و هو عجوز ناهز الخامسة و الستين , بأن امرأة في الخامسة و
الثلاثين من العمر تتصل به لتخبره بأنها النسخة الجديدة لروح والدته ماري
التي توفت قبل 56 عاما , لكن مكالمة جون لم تخلو من فائدة إذ أعطى جيني
رقمي هاتف أشقائه سوني (الابن الأكبر) و فرانسيس.
لم يكن سوني سوتون يتخيل حتى في الأحلام ما سيسمعه في
الهاتف مساء احد الأيام من عام 1990 , لقد تحدث لفترة من الزمن مع امرأة
انكليزية و عندما أغلق الهاتف بدا لوهلة مصدوما و مبهورا حتى ان زوجته
سألته باستغراب : "ماذا جرى لك ؟ لماذا تبدو شارد الذهن ؟" , فأجابها سوني
و هو يحدق إلى حائط الغرفة و قد بدت على وجهه معالم الدهشة : "اعتقد باني
تحدثت للتو مع شبح" ثم أردف بصوت مرتجف "أنا متأكد من إني كنت أتحدث للتو
مع أمي!!". لقد كانت بعض الأشياء و الأمور التي ذكرتها جيني أثناء حديثها
على الهاتف مع سوني على درجة من الخصوصية بحيث يستحيل على أي شخص في
العالم أن يعلم بها باستثناء أمه ماري , لكن ما استعصى على سوني استيعابه
هو كيف يمكن لامرأة ولدت بعد وفاة والدته بواحد و عشرين عاما و في بلد أخر
أن تعرف مثل هذه الأمور عن طفولته.
|
صورة لجيني كوكيل مع سوني سوتون و قد جمعت بينهما علاقة وطيدة استمرت حتى وفاة سوني |
إن
اثر مكالمة جيني على سوني لم يقتصر على الدهشة و الصدمة و لكنها أعادته
إلى ذكريات بعيدة و باهتة كان قد طوى صفحتها و تمنى لو ينساها إلى الأبد :
"أبي كان سبب جميع المصائب التي حلت بنا" هكذا اخبر سوني سوتون احد
الصحفيين الذي كان يجري مقابلة معه بعد عام على الاتصال الأول مع جيني ,
ثم صمت لبرهة و قد ارتسمت على وجهه ملامح حزينة و هو يسترجع في مخيلته
شريط الماضي البعيد , ثم أردف بصوت متهدج : "كان أبي بناءا و كان يكسب
مبلغا جيدا من المال لكنه كان ينفقه على احتساء الخمر , كنا نظل لأسابيع
كاملة بدون مصروف للبيت , لم يكن لدينا شيء لنأكله , كان أبي يعود ليلا و
هو مخمور و يطلب أن يوضع العشاء أمامه , و إذا لم تجد والدتي شيئا لتضعه
على الطاولة كان ينهال عليها بالضرب بقسوة , أحيانا كنت أحاول باستماتة
منعه من ضربها فكان يضربني أنا أيضا" , لم تكن العائلة في الغالب تملك
شيئا لتأكله , كان سوني و أشقائه يحاولون في النهار صيد الأرانب و السمك
أو أي شيء يمكن ان يؤكل و في الليل كانوا يسرقون بعض الخضار من الحقول
المحيطة بالبلدة , كانت طفولة بائسة و تعيسة , لكن على العكس من الأب جون
السكير و القاسي , كانت الأم ماري غاية في الرقة و الحنان في تعاملها مع
أطفالها.
سوني كان في الثالثة عشر عندما ماتت أمه عام 1932 , و هو
يلوم والده على وفاتها أيضا : "لقد كانت مريضة و منهكة , أنجبت 10 أطفال
خلال 13 عام (مات اثنان منهم في الطفولة) و بعد وفاة أخر أطفالها اخبرها
الطبيب بأن إنجاب طفل أخر سيعني موتها المؤكد" , و بالفعل تحققت نبوءة
الطبيب إذ ماتت ماري سوتون في المستشفى بعد أن وضعت أخر أطفالها : "لقد
كانت ضربة مؤلمة لنا" قال سوني بحزن ثم أردف و هو يغالب دموعه "لقد انقلب
كل شيء في حياتي رأسا على عقب".
و لم تمضي سوى عدة أيام على وفاة ماري
سوتون حتى حضرت راهبة إلى الكوخ و اصطحبت معها شقيقات سوني إلى احد
الملاجئ و بعد ذلك بأسابيع قليلة اخذوا أشقائه أيضا إلى احد دور الأيتام ,
و لم يبقى في المنزل سوى سوني الذي أصبح خادما لأبيه و حاضنة لأخته
الرضيعة التي توفت والدته و هي تضعها , "لقد أحببت تلك الطفلة من كل قلبي"
قال سوني "لقد رعيتها مثل أمي , كنت أغير ملابسها و اغسلها و أطعمها
تماما كما كانت أمي تفعل مع بقية أشقائي , لكن في احد الأيام حضر احد
أعمامي و اخذ الطفلة , لم أرها أبدا بعد ذلك اليوم" , لقد كانت طفولة سوني
عبارة عن مأساة , إذ تفرقت عائلته و لم يعلم شيئا عن أشقائه و شقيقاته
لسنوات طويلة و أصبح يعمل في الحقول من الصباح حتى المساء من اجل أن يعيل
والده السكير , لكن بعد أربع سنوات على وفاة والدته لم يعد سوني يطيق
حياته فهرب في إحدى الليالي من كوخ والده و التحق بالجيش و لم يعد بعدها
إلى مالهد إذ لم تكن البلدة تعني له سوى مجموعة من الذكريات الأليمة التي
كان يود أن ينساها إلى الأبد.
"لا اعلم ماذا أقول , أنا
كاثوليكي (المذهب) و نحن لا نؤمن بالتناسخ , لكن عندما حضرت جيني إلى هنا و
رأيتها تترجل من السيارة شاهدت فيها صورة أمي , لقد كانت هناك رابطة ما
تشدنا إلى بعض منذ البداية" هكذا اخبر سوني الصحفيين بعد لقائه بجيني ,
لقد جلسا معا لفترة طويلة و تحدثا عن أمور لم يكن لأحد أن يعرفها عن حياة
سوني سوتون , عن ذكريات قديمة عمرها أكثر من ستين عاما , "جيني تتذكر أنها
كانت تقف على رصيف البحر القريب من البلدة كأنها تنتظر شخصا ما , لكنها
لم تكن تعلم من هذا الشخص و لماذا تنتظره , لقد أخبرتها بأني أنا هو ذلك
الشخص إذ كنت أتوجه مع القوارب إلى الخليج لصيد السمك أيام السبت و كانت
دائما تقف بانتظار عودتي" قال سوني ضاحكا , و بالمقابل كانت هناك عدة أمور
نسيها سوني و ذكرته بها جيني.
استطاعت جيني معرفة مصير
أولاد ماري سوتون لكنها لم تستطع العثور على أي اثر للفتيات , لذلك نشرت
إعلانا في الجرائد تطلب معلومات عنهن , و لم تلبث طويلا حتى اتصلت بها
بيتي (إليزابيث) , الطفلة الأخيرة التي ماتت ماري بعد ولادتها , كانت الآن
جدة في الثانية و الستين من العمر لها ستة أبناء و 21 حفيدا , لم تكن
تعرف أبدا بان لها إخوة و أخوات , لقد رباها عمها على أنها ابنته الوحيدة و
كانت تظن دوما بأنه والدها الحقيقي و أن زوجته هي أمها , و على رغم
علاقتها القوية مع عمها الذي أولاها عطفا و اهتماما كبيرا لم يكن والدها
الحقيقي ليوفره لها , لكنها أحست دوما في قرارة نفسها بعاطفة مفقودة مع
أمها , أي زوجة عمها , و لم تكن تعرف السبب الحقيقي لذلك.
سوني سوتون
كان قد بحث لسنوات طويلة عن شقيقته الصغيرة بيتي و استطاع قبل عدة سنوات
الحصول على هاتف زوجة عمه التي أخبرته حينها بأن بيتي قد تزوجت و انتقلت
للعيش مع زوجها و أنها لا تعلم عنوانها , لقد كذبت عليه إذ يبدو أنها
اتفقت مع زوجها منذ زمن بعيد بأن لا تعرف بيتي أبدا حقيقة عائلتها
الأصلية.
كان اللقاء بين سوني و بيتي مؤثرا جدا , لقد
عرفا بعضهما من النظرة الأولى رغم الحشد الكبير من الأشخاص و الصحفيين
الذين كانوا حاضرين في مكان اللقاء و رغم أن احدهما لم يرى الأخر منذ 62
عاما حين كانت بيتي مجرد طفلة رضيعة , بالنسبة إلى جيني فقد قالت بيتي
عنها للصحفيين : "أنا لا استطيع أن اشعر بأنها أمي لأني لا اذكر أمي أصلا
إذ كنت طفلة رضيعة عند موتها , لكني اعتقد إن روح والدتي ألهمتها تلك
الأحلام لكي تكون سببا في لم شملنا , هناك من يعتقد أنها تكذب لكني اعتقد
أنها صادقة , لقد اخبرني سوني بأنها أخبرته عن أمور لا يمكن لشخص أخر غير
والدتنا بأن يعلم عنها".
في الأسابيع اللاحقة كانت هناك
المزيد من الأخبار المفرحة , لقد تلقت جيني اتصالا من فرانك , اصغر أولاد
ماري و هو الآن أب لثلاثة أولاد , ثم اتصلت فيلومنا بنت ماري الكبرى التي
كانت قد شاهدت التغطية الصحفية للقاء سوني سوتون بشقيقته الصغرى بيتي ,
كانت فيلومنا هي المفتاح إلى معرفة مصير بنات ماري سوتون , لقد أخبرتهم
بأنهن قضين طفولتهن في الملجأ و إن أختها الكبرى ماري ماتت عام 1946 , أما
شقيقتها الأخرى بريجيت فقد تزوجت و سافرت إلى استراليا عام 1953 و لم
ترها منذ ذلك الحين (أرسل زوجها رسالة فيما بعد اخبرهم أنها ماتت قبل
عشرين عام و أن لديها أربعة أطفال) , كما إن فيلومنا ظلت على اتصال مع
والدها الذي كان يحرص على زيارتها مع أخواتها في الملجأ حتى عام 1950 حيث
انقطعت أخباره و لم تسمع عنه بعد ذلك أبدا.
خلال الأشهر
التالية التقت جيني بفرانك و بيتي و كريستي , بالنسبة إلى فرانك و كريستي
فأنهما كانا يعتقدان أن روح والدتهم هي التي أرشدت جيني إليهم لكي تكون
سببا في لم شملهم , أما فيلومنا فقد آمنت بأن روح أمهم ماري قد انتقلت حقا
إلى جسد جيني و كانت تشعر بالطمأنينة و الراحة عندما تكون جيني قريبة
منها , اما سوني سوتون فقد كان اشد المؤمنين بأن جيني هي التجسيد الحي
لروح والدته ماري , لقد كان اكبر أطفال ماري و الوحيد الذي يملك ذكريات
حقيقية عن والدته لذلك كان هو الدليل الأكبر على صدق قصة جيني.
خلال السنوات اللاحقة تم تصوير جيني مع أبناء و بنات ماري سيوتن
في العديد من البرامج التلفزيونية , العديد ممن شاهدوا جيني مع العائلة و
حديثهم عن ذكريات الماضي امنوا بأن جيني هي التجسد الحي لروح ماري سوتون ,
لكن هذا لا يعني بالطبع عدم وجود مشككين في قصتها , لكن مهما كانت
الحقيقة , فأن جيني و قصتها كانت السبب في لم شمل عائلة فرقها ماضي مأساوي ,
و ربما تكون الحسرة الوحيدة في قلوبهم أطفال ماري سوتون هي ان قصة جيني
لم تقع قبل عشرين أو ثلاثين سنة من وقت حدوثها , عندما كانوا أكثر شبابا ,
لكنه القضاء و القدر كما يقولون. و رغم وفاة سوني سوتون في نهاية
التسعينيات من القرن المنصرم إلا أن قصة جيني كوكيل لازال لها سحرها و
تأثيرها على كل من يطلع عليها ليس لغرابتها فحسب و لكن بسبب حجم المشاعر
الإنسانية التي رافقتها.